23 - ربيع الثاني - 1429 هـ
29 - 04 - 2008 مـ
07:49 مساءً
( بحسب التقويم الرسمي لأمّ القرى )
ـــــــــــــــ
إمامي الحبيب، ما هي قصة حمل مريم بنبيّ الله عيسى ابن مريم ؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين وآلهم الطّيّبين الطاهرين وعلى التابعين للحقّ إلى يوم الدين، وبعد..
ويا أيتها السائِلة (فِردوس) المُكَرّمة، عليك أن تعلمي بأنّ نظام حمل الصديقة مريم بابنها رسول الله المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام لم يجعله الله في تسعة أشهرٍ كمثل نساء العالمين؛ بل كان بكلمة من الله كُن فيكون بعد أن أخبرها روح القدس جبريل عليه الصلاة والسلام ومن معه من الملائكة وبشّروها بكلمة من الله كن فيكون المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا وفي الآخرة ومن المقرّبين ويكلم الناس في المهد ومن الصالحين وبعد أن بشّرها الملائكة بلسان جبريل. وقال الله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسمه الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(47)} صدق الله العظيم [آل عمران].
ولكنّ مريم لم تشاهد غير ملَكٍ واحد وهو الذي تمثّل لها بشراً سوياً، ولم ترَ الملائكة الذين كانوا معه؛ بل رأت جبريل فقط أمام عينيها، وحين بشّرها الملائكة بلسان جبريل كانت مريم على مقربةٍ من أهلها، وإنّما اتخذت من دونهم حجاباً ومن بعد البشرى قالت مريم عليها السلام: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} صدق الله العظيم [آل عمران:47].
ومن ثم نظرت إلى بطنها فإذا هي حاملٌ وقد انتفخ بطنها بكلمة من الله كن فيكون، فعلمت أنّها سوف تضعه في نفس اليوم فانتبذت من المكان الشرقي القريب من أهلها إلى مكان قصيٍّ، وهو كذلك شرقي أهلها ولكنّه مكانٌ أبعد مسافةً من المكان الأول والذي جعلت فيه من دونهم حجاباً.
فبعد الحمل انتبذت به مكاناً قصيّاً حتى إذا وصلت إلى جذع النخلة جاءها المخاض وهي الولادة فولدت المسيح عيسى ابن مريم عليه وعلى أمّة الصلاة والسلام، فسمعته يبكي فعلمت بأنّها وضعت مولوداً، وأول ما جال بخاطرها ماذا تقول لقومها فسوف يتّهمونها بالزور والبُهتان والافتراء ولن يصدِّقوها بأنّها حملت بكلمة من الله كن فيكون، لذلك قالت يا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسيّاً، ومن ثم ناداها ابنها (من تحتها) المسيح عيسى ابن مريم وقال لها: لا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً، فنظرت إلى بين رجليها فإذا بطفلها هو من يكلمها ويطمئنها ويقول لها أن تهزّ إليها بجذع النخلة تُساقط عليها رطباً جنياً، وكلي واشربي وقَرّي عينا، وكذلك قال لها: بأنّه من سوف يكلم الناس وعليها أن لا تكلمهم فهم لن يصدقوها؛ بل هو من سوف يكلمهم بالحقّ.
حتى إذا أتت قومها تحمله قالوا يا مريم قد جئتِ شيئاً فريّاً! فاتّهموها بالزنى ومن ثم وضعته بين أيديهم بالمهد فلم تكلمهم كما أوصاها ابنها بأنّه هو من سوف يكلمهم ولذلك أشارت إليه! قالوا: كيف نُكلم من كان في المهد صبيّاً؟ ومن ثم تكلم عليه الصلاة والسلام. وقال الله تعالى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31)} [مريم]
قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ﴿١٦﴾فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ﴿١٧﴾ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ﴿١٨﴾قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ﴿١٩﴾ قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ﴿٢٠﴾ قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ﴿٢١﴾فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ﴿٢٢﴾فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ﴿٢٣﴾ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴿٢٤﴾ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴿٢٥﴾فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ﴿٢٦﴾ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ﴿٢٧﴾ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴿٢٨﴾ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴿٢٩﴾ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴿٣٠﴾ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴿٣١﴾ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴿٣٢﴾ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴿٣٣﴾ ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴿٣٤﴾ مَا كَانَ لِلَّـهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴿٣٥﴾ وَإِنَّ اللَّـهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴿٣٦﴾ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿٣٧﴾} صدق الله العظيم [مريم].
إذاً قد تبيّن لكم إذا تدبرتم كتاب الله القرآن العظيم بأنّ مريم عليها الصلاة والسلام كان حملها بكن فيكون، ولم يكن نطفةً ثم أمشاجاً ثم مضغةً ثم عظاماً ثم كسونا العظام لحماً، فذلك لو كانت متزوجة، ولكن لم يمسَسْها بشر ولم تَكُ بغياً؛ بل قال الله كن فكان المسيح عيسى ابن مريم وانتفخ بطنها ولذلك انتبذت به من المكان الشرقي من أهلها إلى مكانٍ أبعد وأقصى من المكان الأول ومن ثم جاءها المخاض إلى جذع النخلة فولدت في نفس اليوم، ولذلك يا أيّتها السائلة فردوس؛ لم يرَ أهلُها حملَها وهو في بطنها وذلك لأنّها حملت ووضعت في نفس اليوم، وأهلها كانوا بالإمكان أن يصدقوها ولو لم يتكلم المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وذلك لأنّ أهلها يعلمون بأنّها ليست حاملاً ولم يشاهدوا حملها فلا بدّ أن تكون صادقة، ولكنّ المشكلة في قومها فهم لن يصدقوها ولن يصدقوا أهلها بأنّها لم تكن حاملاً، ولذلك أتت به قومها تحمله ولم تتّجه به صوب أهلها؛ بل إلى قومها وذلك لكي يُبرِّئها وأهلها التي هي عرضُهم وكذلك يخبر قومها من بني إسرائيل أنّه رسول الله إليهم وجعله نبيّاً، وقضي الأمر الذي فيه تستفتين يا فردوس المكرمة.
وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين..
الإنسان ناصر محمد اليمانيّ الذي علَّمه ربّه البيان.
___________