الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني
05 - شعبان - 1430 هـ
27 - 07 - 2009 مـ
10:45 مساءً
(بحسب التقويم الرسمي لأمّ القرى)
[لمتابعة رابط المشاركة الأصلية للبيان]
https://mahdialumma.net/showthread.php?p=979
____________
ردُّ الإمام المهديّ على بلال: الفَتوى الحَقّ من الإمامِ المهديّ عن الفَرْقِ بين صيامِ مريمَ عن الكلامِ والصّيامِ الذي هو رُكنٌ مِن أركان الإسلام ..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على النَّبي الأميّ الأمين والتَّابعين للحقّ في كلّ زمانٍ ومكانٍ إلى يوم الدين..
ويا أخي الكريم بلال، إني لا أراك تسأل عن بيان آيةٍ ما فتنتظر جوابها؛ بل تُفتي بالبيان من عندك بغير علمٍ فتقول أنّ الصيام الذي جعله الله رُكنًا مِن أركان الإسلام ليس صيامًا عن الشراب والطعام؛ بل هو الصيام عن الكلام! ومن ثم تأتينا يا بلال بدليلك (قول الله تعالى) في قصة مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} صدق الله العظيم [مريم:26].
فظننتَ يا بلال أن هذا القول المُحكَم بالصيام عن الكلام أنَّهُ الصيام المفروض الذي جعله الله رُكنًا من أركان الإسلام، وأنه الصيام عن الكلام وليس الصيام عن الشراب والطعام، وإنَّك لَمِن الخاطئين يا بلال، وإني لك لَمِن النَّاصحين أن لا تتَّبِع خطوات الشيطان فتقول على الله ما لا تعلم فيُخرِجَك عن الصراط المستقيم، فبيانك هذا للقرآن لم تتَّبِع فيه أمْر الرحمن بل اتَّبَعت أمْر الشيطان أن تقول على الله ما لا تعلم علم اليقين بسلطان العِلم من رَبِّ العالمين.
فتعالَ لأُعَلِّمك ما حَرَّم عليكم الرحمنُ وما أمركم به الشيطان، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٣٣﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].
وأما أمْر الشيطان فسوف تجده دائمًا يُخالِف عن أمر الله الحَقّ، وقال الله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿١٦٨﴾ إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿١٦٩﴾} صدق الله العظيم [البقرة].
فكيف تقول على الله ما لم تعلم يا بلال وقد نهاك الله في قوله المُحكَم من ضمن ما حرَّم الله عليكم: {وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} صدق الله العظيم؟! ومن ثم تَجِد الشيطان أمركم أن تقولوا على الله ما لا تعلمون: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿١٦٩﴾} صدق الله العظيم، فهل تراك اتَّبعت أمر الله أم اتَّبعت أمر الشيطان وأنت لا تعلم أنك اتَّبعت أمر الشيطان؟ وكذلك كثيرٌ من علماء التفسير اتّبعوا أمر الشيطان وهم لا يعلمون مثلك، فلا تثريب عليك إنْ تُبْتَ عن ذلك فإنّ ربي غفورٌ رحيم.
ويا أخي بلال، لو سألك المهديّ المنتظَر: هل أَمَر اللهُ التي وَضَعتْ مَولودًا أن تصومَ يومًا في يوم الولادة؟ وجواب هذا السؤال يدركه جميعُ المسلمين - عُلماؤهم وعامّتهم - أنّ الوالدة لا تصوم، وإن كانت صائمةً أفطَرَت. إذاً كيف تجعل صيام مريم عن الكلام هو الحُكم الحَقّ في صيام رمضان يا بلال؟! أفلا ترى أنَّك كنت لَمِن الخاطئين؟ وتعالَ لأعلِّمك مَن الذي أمَر مريم بإذن الله أن تصومَ عن الكلام وتَكَفَّل بإجابة السائلين لمريم لكي يُثبتَ براءتها مِن الزِّنى، فهي حملَت بالمسيح عيسى ابن مريم بِكُن فَيكون، فحملته فولدته في يومٍ واحد.
وإليك القصة بالحق: فذات يومٍ ذهبت مريم لتذكُر الله في مكانٍ خالٍ لأنها لا تُحِبّ أن تدمع أعينها وأحدٌ يسمعُها من الناس مِن شِدّة إخلاصها لله، وتلك علامة الإخلاص يعلمها المُخلصون لربِّهم، فانتبذت مِن أهلها مكانًا شرقيًّا على مَقرُبةٍ منهم، فاتَّخذت مِن دونهم حِجابًا لتذكُر الله في مكانٍ على مَقرُبةٍ من أهلها، فأرسل اللهُ إليها الرُّوح (جبريل) ومعه الملائكة، فتمثَّل لها جبريلُ المُتكلِّم فكلَّمها تَكليمًا فبشَّروها بغلامٍ زكيٍّ، وقال الله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴿٤٥﴾ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴿٤٦﴾ قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّـهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا َيَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴿٤٧﴾} صدق الله العظيم [آل عمران].
فالتبشير هو: الخَبَر من الله عن طريق ملائكته لمريم عليها الصلاة والسلام، وقد أفزعها جبريل لأنه تمثَّل لها فجأةً أمامها بَشرًا سويًّا: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ﴿١٨﴾} صدق الله العظيم [مريم]. أي: إنَّي أعوذ بالرحمن مِنك إن كُنت تَتَّقي الله وتخافه: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ﴿١٩﴾ قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ﴿٢٠﴾ قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ﴿٢١﴾} صدق الله العظيم [مريم].
وبمُجرَّد ما قال جبريل عليه الصلاة والسلام: {قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّـهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران:47]، فانتفَخ بطنها فجأةً، وذلك بعد أن أفتاها جبريل عليه الصلاة والسلام أنها سوف تَحمَل (بِكُن فَيكون) بِكلمةٍ من الله سُبحانه يُلقيها إلى مريم: {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ﴿٢٢﴾ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ﴿٢٣﴾} صدق الله العظيم [مريم].
وذلك بعد أن حملته فانتبذت به مكان قَصيًّا؛ وهو مكان أبعد من المكان الذي كانت فيه حين التبشير، ومن ثم وضَعته، فتفكَّرَت؛ ماذا ستقول لقومها؟! فإن قالت حملت بقدرة الله (بِكُن فَيكون) فحتمًا سوف يكون جواب قومها: "فهل تعتبرينا سُذَّجًا يا مريم فنُصدِّقك؟! بل جئتِ شيئًا فَريًّا"، فاستيأسَت مريمُ مِن براءتها، وأنّ قومها حَتمًا سيقذفونها بتهمة الزِّنى؛ فما يدريهم أنَّها حملت بكلمةٍ من الله (كُن فَيكون)؟! ومن ثم حزنتْ حُزنًا شديدًا وقالت: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} صدق الله العظيم.
وفجأةً! فإذا ولدُها يُناديها من تحتها ويقول لها: {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴿٢٤﴾ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴿٢٥﴾ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [مريم].
فنظرت إليه وإذا هي ولدته في سريرٍ كمثَل سرير الأطفال الذي يستخدموه مَهدًا للأطفال في ذلك الزمان، وقد أفتاها ولدها أن تُسَبِّح لله فلا تُكَلِّم الناس بل تُؤشِّر لهم عليه أن يكلموه هو، وأفتاها أنهُ من سوف يتكلَّم ليُثبِت براءتها بالتكليم فيخبرهم عن شأنه: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ﴿٢٧﴾ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴿٢٨﴾ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴿٢٩﴾ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴿٣٠﴾ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴿٣١﴾ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴿٣٢﴾ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴿٣٣﴾} صدق الله العظيم [مريم].
وقال الله تعالى: {ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴿٣٤﴾ مَا كَانَ لِلَّـهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴿٣٥﴾ وَإِنَّ اللَّـهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴿٣٦﴾} صدق الله العظيم [مريم].
ويا أخي بلال، أمّا الصيام الذي جعله الله ركنًا من أركان الإسلام فقد بيّنه الله في مُحكم كتابه أنه الصيام عن النساء وعن الطعام والشراب في قول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} صدق الله العظيم [البقرة:187].
فَكُن يا بلال مِن الشاكرين واتّقِ الله ولا تأخذك العزّة بالإثم، واتَّبِع الإمام المهديّ المُنتَظَر الحقّ من ربّه الذي لا يقول على الله ما لا يعلم، وكُن بلال الناصر للمهديّ المنتظَر بالحقّ.
وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربّ العالمين..
أخوك الإمام ناصر محمد اليماني.
_______________